الخطّارون و أنواعهم … علي  الأمارة

شارك مع أصدقائك

Loading

الخطّارون و أنواعهم

( ١ )

علي  الأمارة

بدءاً اسجل احترامي ومحبتي لكل ما يكتبه الخطّارون – كتّاب الخواطر – من فيوضات انسانية ومشاعر يعبرون بها عما يجيش في اعماقهم تجاه الحياة بتفاصيلها العاطفية والوجدانية والاجتماعية والوطنية وغيرها من الكتابات التي لا تخلو من ومضات شعرية ، و تحليقات تعبيرية تعكس تفاعلهم وقدرتهم على تطويع الكلمة لردة فعلهم الشعورية ازاء العالم  . بل ان الخواطر هي الارضية الخصبة للشعر حين تنقى التعابير من  المباشرة وتنحو منحى شعريا بلغة ذات انزياحات  ومجاز وسعة في التشبيه والاستعارة والتكثيف وغيرها من فنون  القول ..

وقد كانت هذه الخواطر الى حد قريب  اي  قبل ان  تخرج قصيدة النثر  الى  النور وتنتشر كانت الخواطر  مفروزة ومعروفة من قبل الادباء والمثقفين وحتى من قبل الجمهور العام .. بل ان اصحابها اي كتابها  انفسهم يصرحون بأنها خواطر لا تنتمي للشعر كجنس ادبي وترتفع قليلاً عن الكلام العادي لأنها كتبت بلحظات تأمل ومشاعر انسانية خالصة  ذلك لان الشعر كان محصناً بالوزن والقافية والكتابة على البحور الشعرية الخليلية المعروفة  .. وحتى الكتابة على هذه البحور كانت تميز من قبل العارفين بفنون الشعر ومن قبل متذوقيه  بين نظم تقليدي يتكئ على الوزن  والقافية  وبين  خطاب شعري فني يتخذ من الوزن والقافية مركباً وشكلاً تعبيرياً للوصول الى ذائقة المتلقي والتأثير به  ..  لم تكن هناك خطورة  للطارئين على الشعر ان يعبثوا به  وبحرمته وسمعته  .. كان هناك شعر ونظم ، وتحصين  عروضي يُعد خطاً احمر  يحول بين الشعر وغيره .. بل حتى العارفون  ببحور الشعر ولديهم قدرة على النظم لا يكتبون الشعر اذا لم يستشعروا موهبة تستدعيهم  لكتابته  كما  قال الثعالبي ( علمي به منعني من قوله  ) بل هذا الاحساس كان ثقافة  وموقفاً للمثقفين  الذين يجلّون الشعر  ويتركون  الخوض فيه للمبتلين  بالمواهب الحاملين اوزارها وهم يدركون ان ( الشعر صعب وطويل سلّمه  .. ) والشاعر الحقيقي ينحت من حجر الكلمات لا يغرف من بحر التعابير بطريقة مجانية وعشوائية  .. الى هنا كان الشعر محاطاً بأسلاك شائكة فاضحة لمن يعبرها دون موهبة فكانت الموهبة مهابة الشعر وحاضنته  وحصنه عن الدخيل والطارئ  .. وحتى عندما انطلقت قصيدة التفعيلة او ما سمي بالشعر الحر وتوسع  فضاء التعبير الشعري بقي الشعر محصنا بإيقاعه  المعروف وبفنونه الشعرية التي تفصل بين الشعر والنظم  ضمن مساحة  البحور الشعرية ايضا  .. اي هناك  رابط عام  تاريخي وفني .

اما بعد  ان انطلقت قصيدة النثر و لاسيما بعد ان تكرست في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي واثبتت حضورها الفني وشرعيتها الشعرية بنماذج مقنعة .. فكانت تترسخ  وكانت تترسخ معها فجوة من خلال جدارها الهش غير المحصن  باشتراطات واضحة وضوح قصيدة الوزن الشعري المعروف .. هذه الفجوة اتسعت بسرعة لتصبح بوابة اكبر من بوابة قصيدة  النثر نفسها الى قاعة الشعر ..

كل اصدقاء وصديقات الشعراء دخلوا من هذه البوابة  التي كانت فجوة في جدار هش .. والخواطر التي كانت تعترف بكونها خواطر بل تفتخر .. وجدت في نفسها قدرة على الدخول من البوابة الجديدة للشعر .. البوابة المجانية التي لم يعد لديها حراس سوى ضمير فني يقبع في ذائقة نقاد  وشعراء وادباء ومثقفين  ومتذوقين للشعر ، ولكنهم حراس بلا سلطة  لان اقوى سلطة للشعر هو قوته الداخلية التي تحرسه  بمراياها الناصعة والفاضحة ايضا  …

والحقيقة ان هناك جهات عدة يمكنها حراسة الشعر ،  هي النقاد واتحاد الادباء  ووزارة الثقافة وجهات النشر  والمسابقات  والمهرجانات   وغيرها   …

علما ان الخطّارين بمكن تقسيمهم الى انواع  ونتوسع في موضوعهم لأن ظاهرتهم انتشرت وتفشت في الادب العراقي والعربي بشكل عام  في السنوات الاخيرة .

………………

2

الخطّارون و انواعهم

٢- الخطارون الابرياء

وهم   الذين بقوا على خواطرهم و يعدون كتاباتهم خواطر شعرية .. فلم يعتدوا على فن الشعر ولم يعبروا حدودهم التعبيرية  الانسانية والوجدانية ،  والحقيقة ان كتاباتهم لا تخلو من جمالية  فالخاطرة كتابة قريبة من الفن الشعري ولكنها لم تدخل فضاء القصيدة بسبب الشروط  الفنية  المعروفة للشعر ..

واجمل ما في كتاباتهم العفوية وعدم التكلف..

والبساطة وقابليتهم للتطور .. وهناك مواقع الكترونية ينشرون بها كتاباتهم مثل موقع خواطر الياسمين وغيره اي انهم منذ العنونة يقدمون نصوصهم على انها خواطر ولكنها لا تخلو من المتعة ولذة النص احيانا .. وهؤلاء ليسوا موهوبين بالطبع ولكن الكتابة بشكل عام حق من حقوق اي انسان  خاصة بعد  اتساع مساحات النشر من قبل مواقع التواصل .. ومن قبل بعض الصحف التي تريد ان تملأ مساحاتها التي تتطلب نصوصا يومية او اسبوعية ..

والحقيقة ان هؤلاء الخطارين لم يزاحموا احدا ولم ياخذوا اكثر مما يستحقون ..

انني ارفع لهم القبعة ..

يتبع

 

شارك مع أصدقائك