وديع شامخ .. اعتزال  الفنان المبدع بين نضوب العطاء وفتوى الفقهاء

شارك مع أصدقائك

Loading

 

الحياة بحر  وفضاء بهي لقوس قوح التناغم  ،  وفي كوكبنا  الأرض  توارثنا أهرامات من الخلق الجمالي والمدني والحضاري ،  جعلها الإنسان مسلّة  وأرثاً ..

منذ بدء التاريخ   الى الحاضر والمستقبل  ،  وضع الإنسان عدتّه المعرفية بالسؤال والشك  ، ليس وصولاً  الى طمأنينة اليقين  والنوم في قبوره ، ولأن السؤال هو الإطار  الأول هو  فنار الكشف والاستبصار ، صارت القناعات  “سلّة رهونات”، وليس سنّة قارة .

ومن رحم سمو الإنسان  نشأ  التعبير عن نفسه جماليا ً بعد  إكتمال انتصابه بايولوجيا  كإنسان ..

ومن التسلسل الحضاري والقيمي والمديني نشأ  الفن ، ليوازي العمارة والهندسة والسرد  والشعر  بوصفهما روافد  تصبّ  في بحر المعرفة الجمالية  الإنسانية وتضيف لها بعداً  روحياً ، ليس بالمعني الميتافيزقي ، وان اشتملت الرسالة  ، ولكن  الفن تجاوز  التحجيم والطيران في جناح واحد ، وصار الفن  سماءً لرفيف الروح البشرية المتطلعة الى الجمال  والحق والخير .

………….

حين نبحر مع الإنسانية في رحلتها الوجودية ، نتلمس  شواهق  في الرقي ، وأنفاقاً  من الظلمة ..

وفي كل تمظهر لها  نجد جنودا مخفيين يروضون الحواس لمآلهم ، ويبشرون  الكائنات بمصائرها ، نورا  وظلمة معاً ..

لقد دفع الخارجون عن هذه  السنن القمعية نصيبا باهظا من التهميش والإقصاء  والنهايات القصوى للتواري ، فصار الوجود مهدداً في جدلية  التناغم والنشاز ، الوجود في القطيع ، والشموخ خارج مدى العصا .

……..

في الحضارات القديمة والتي انقطعت عنّا  نوعيا ، لكنها شكلت وعيا  جمعياً  في شرف وجمال الانتساب لها  ، بوصفها هوية ثقافية جامعة  ، وليس  استحواذا قوميا  أو دينيا  مخصوصاً.

واذا ما صنفنا الحضارات التأسيسية الأولى ، أو تلك التي شهدت نضوج العقل البشري ، وهذا يخالف نظرية التطور النوعي والنشوء عند دارون ، أو  الانتخاب الطبيعي .. فهذه الحضارات وهي ”  الرافدينية ”  سومر ، بابل أكد ـ آشور “، الأغريقية ،  المصرية ، الفارسية ،  الهندية … الخ  ”  من عدد الحضارات التي قد يختلف في عددها المختصون في تاريخ الحضارات .

كل هذه الحضارات لم تُصدر لنا  مفهوم  الحرام والحلال ، بل انها انتنصرت  للمشرق والمظلم ،  للوصايا العشر ة قبل تقعيدها دينيا  ، كما انها قدمت تفسيرات وتأويلات   عن دور الكائن  الروحي والمادي ،  ونظرته للحياة واللجمال … ولم تذهب بنا الى نظرية فقهية  مخصوصة للحكم ، ولا مقصلة لشنق الاجتهاد  .

….

ومن سوء حق المؤولين  الذين اعادوا قراءة المتون  الإنسانية ”  فلسفة ، علما ،  طبا ، منطقا ،  فنونا ، آدابا …”

انهم جوبهوا بعصا الشريعة  التي جاءت بها الأديان المحتقنة  بأوكسيد كراهية الجمال والحق والمحبة خارج إطار جبة وعمامة جحاجيحهم   وجماجم العاطلين عن السؤال .

فكان الفن  والجمال عموما موضوعا   للعقوق الروحي والكفر  والبغي والبدعة  ، وصار  نصيبنا نحن الناطقين بالعربية   لغة وأدباً  وجمالاً  ، اننا وجدنا على قلوبنا  سيفاً وعلى خيالاً  قاموساً  من التكفير والتهجير ، حين نريد أن  نكون خارج الوصايا المقدسة ، وننتمي الى الحياة بكل قوس قزحها …

وكنّا أحفاد ” ابن رشد ” وهم رضعوا من ”  الغزالي ”  حليبا  من دسم  التكفير  .

……..

في هبّة  الفقهاء و سيادة تقدّم الحياة  ، تسويقهم كدعاة  لتقويم إنتصابنا ،  أخلاقيا  ،كجهة تصدر شهادات حسن سلوك  في الوسط الفني

وليكن نموذجي  على مستوى الفن ، من عاصمة الفن  وأم  الدنيا  القاهرة ، ودور الشيخ الشعراوي   في  حجاب الممثلات  واعتزالهن  وكذلك الفنانين ، وكأن الفن خطية يراد التوبة منها ، واذا كان الشعراوي يمتلك روح مصرية مرحّة  في تسويغ الاعتزال واجادة التمثيل بحجاب ،  كما حصل مع حسن يوسف  وشمس البارودي  في الاعتزال او في نموذج فنانات  قبلن ” العصا من الوسط ”  وظهرن   باللباس الشرعي  ” اسلاميا”

ولعل من تعاسة الإنسان في التقهر   وعكس قانون التطور والارتقاء ، صار الجمال والابداع  ومن يمتثله يستقي احكام حياته  وخارطته الجمالية من فقهاء ، حرقوا كتب ” ابن رشد ”  وقتلوا ،  الحلاج ، والسهرودري ، والجعد بن الدرهم ،  والبسطامي ،  و فرج فوده ، ومأساة  حامد نصر أبو زيد ، والسيد القمني ونجيب محفوظ ، وناجي العلي  ..

وقوافل  من من شهداء الفكر والجمال  والأسئلة …”

………

اليوم نشهد ردة جمالية في شيوع الميوعة والخفة في الحياة الانسانية ،هناك  قهر مقيت للفطرة الإنسانية   في طبيعتها  ، خرق لقوانين النشوء   والإرتقاء ، خرقا   لجنوح الإنسان نحو  تخوم الحرية المبدعة ،

الإنسان الخالي من أوكسيد الفقهاء بكل سجونها ..

الإنسان الذي يغني خارج الأقفاص  والأسراب والنوايا.

المبدعون ليسوا في سلك الخدمة المدنية الحكومية لهم قانون في التقاعد ، ولا علاقة لهم بسنّة الطبيعة في عمر الكائن ..  المبدع يتلقف آخر ورقة في شجرة حياته بحب جمالي  تام ..

قرار الإعتزال  والعزلة  هو قرار إبداعي  وشخصي ومصير فردي خالص ،  لا دور لفقهاء  ولا لأيّة مؤسسة حكومية او عامة  أو خاصة ..

المبدع يطير بأجنحة لا تتشمّع  بالوصايا .

 

شارك مع أصدقائك