الحياة بحر وفضاء بهي لقوس قوح التناغم ، وفي كوكبنا الأرض توارثنا أهرامات من الخلق الجمالي والمدني والحضاري ، جعلها الإنسان مسلّة وأرثاً ..
منذ بدء التاريخ الى الحاضر والمستقبل ، وضع الإنسان عدتّه المعرفية بالسؤال والشك ، ليس وصولاً الى طمأنينة اليقين والنوم في قبوره ، ولأن السؤال هو الإطار الأول هو فنار الكشف والاستبصار ، صارت القناعات “سلّة رهونات”، وليس سنّة قارة .
ومن رحم سمو الإنسان نشأ التعبير عن نفسه جماليا ً بعد إكتمال انتصابه بايولوجيا كإنسان ..
ومن التسلسل الحضاري والقيمي والمديني نشأ الفن ، ليوازي العمارة والهندسة والسرد والشعر بوصفهما روافد تصبّ في بحر المعرفة الجمالية الإنسانية وتضيف لها بعداً روحياً ، ليس بالمعني الميتافيزقي ، وان اشتملت الرسالة ، ولكن الفن تجاوز التحجيم والطيران في جناح واحد ، وصار الفن سماءً لرفيف الروح البشرية المتطلعة الى الجمال والحق والخير .
………….
حين نبحر مع الإنسانية في رحلتها الوجودية ، نتلمس شواهق في الرقي ، وأنفاقاً من الظلمة ..
وفي كل تمظهر لها نجد جنودا مخفيين يروضون الحواس لمآلهم ، ويبشرون الكائنات بمصائرها ، نورا وظلمة معاً ..
لقد دفع الخارجون عن هذه السنن القمعية نصيبا باهظا من التهميش والإقصاء والنهايات القصوى للتواري ، فصار الوجود مهدداً في جدلية التناغم والنشاز ، الوجود في القطيع ، والشموخ خارج مدى العصا .
……..
في الحضارات القديمة والتي انقطعت عنّا نوعيا ، لكنها شكلت وعيا جمعياً في شرف وجمال الانتساب لها ، بوصفها هوية ثقافية جامعة ، وليس استحواذا قوميا أو دينيا مخصوصاً.
واذا ما صنفنا الحضارات التأسيسية الأولى ، أو تلك التي شهدت نضوج العقل البشري ، وهذا يخالف نظرية التطور النوعي والنشوء عند دارون ، أو الانتخاب الطبيعي .. فهذه الحضارات وهي ” الرافدينية ” سومر ، بابل أكد ـ آشور “، الأغريقية ، المصرية ، الفارسية ، الهندية … الخ ” من عدد الحضارات التي قد يختلف في عددها المختصون في تاريخ الحضارات .
كل هذه الحضارات لم تُصدر لنا مفهوم الحرام والحلال ، بل انها انتنصرت للمشرق والمظلم ، للوصايا العشر ة قبل تقعيدها دينيا ، كما انها قدمت تفسيرات وتأويلات عن دور الكائن الروحي والمادي ، ونظرته للحياة واللجمال … ولم تذهب بنا الى نظرية فقهية مخصوصة للحكم ، ولا مقصلة لشنق الاجتهاد .
….
ومن سوء حق المؤولين الذين اعادوا قراءة المتون الإنسانية ” فلسفة ، علما ، طبا ، منطقا ، فنونا ، آدابا …”
انهم جوبهوا بعصا الشريعة التي جاءت بها الأديان المحتقنة بأوكسيد كراهية الجمال والحق والمحبة خارج إطار جبة وعمامة جحاجيحهم وجماجم العاطلين عن السؤال .
فكان الفن والجمال عموما موضوعا للعقوق الروحي والكفر والبغي والبدعة ، وصار نصيبنا نحن الناطقين بالعربية لغة وأدباً وجمالاً ، اننا وجدنا على قلوبنا سيفاً وعلى خيالاً قاموساً من التكفير والتهجير ، حين نريد أن نكون خارج الوصايا المقدسة ، وننتمي الى الحياة بكل قوس قزحها …
وكنّا أحفاد ” ابن رشد ” وهم رضعوا من ” الغزالي ” حليبا من دسم التكفير .
……..
في هبّة الفقهاء و سيادة تقدّم الحياة ، تسويقهم كدعاة لتقويم إنتصابنا ، أخلاقيا ،كجهة تصدر شهادات حسن سلوك في الوسط الفني
وليكن نموذجي على مستوى الفن ، من عاصمة الفن وأم الدنيا القاهرة ، ودور الشيخ الشعراوي في حجاب الممثلات واعتزالهن وكذلك الفنانين ، وكأن الفن خطية يراد التوبة منها ، واذا كان الشعراوي يمتلك روح مصرية مرحّة في تسويغ الاعتزال واجادة التمثيل بحجاب ، كما حصل مع حسن يوسف وشمس البارودي في الاعتزال او في نموذج فنانات قبلن ” العصا من الوسط ” وظهرن باللباس الشرعي ” اسلاميا”
ولعل من تعاسة الإنسان في التقهر وعكس قانون التطور والارتقاء ، صار الجمال والابداع ومن يمتثله يستقي احكام حياته وخارطته الجمالية من فقهاء ، حرقوا كتب ” ابن رشد ” وقتلوا ، الحلاج ، والسهرودري ، والجعد بن الدرهم ، والبسطامي ، و فرج فوده ، ومأساة حامد نصر أبو زيد ، والسيد القمني ونجيب محفوظ ، وناجي العلي ..
وقوافل من من شهداء الفكر والجمال والأسئلة …”
………
اليوم نشهد ردة جمالية في شيوع الميوعة والخفة في الحياة الانسانية ،هناك قهر مقيت للفطرة الإنسانية في طبيعتها ، خرق لقوانين النشوء والإرتقاء ، خرقا لجنوح الإنسان نحو تخوم الحرية المبدعة ،
الإنسان الخالي من أوكسيد الفقهاء بكل سجونها ..
الإنسان الذي يغني خارج الأقفاص والأسراب والنوايا.
المبدعون ليسوا في سلك الخدمة المدنية الحكومية لهم قانون في التقاعد ، ولا علاقة لهم بسنّة الطبيعة في عمر الكائن .. المبدع يتلقف آخر ورقة في شجرة حياته بحب جمالي تام ..
قرار الإعتزال والعزلة هو قرار إبداعي وشخصي ومصير فردي خالص ، لا دور لفقهاء ولا لأيّة مؤسسة حكومية او عامة أو خاصة ..
المبدع يطير بأجنحة لا تتشمّع بالوصايا .