شيءٌ يُشبهني …فؤاد نعمان خوري  ( كلمتي في الإحتفال بتوقيع كتاب “شيئ يشبهني” للأديبة كاميليا نعيم) ،،،،،

شارك مع أصدقائك

Loading

 

 

 

شيءٌ يُشبهني

فؤاد نعمان خوري

( كلمتي في الإحتفال بتوقيع كتاب “شيئ يشبهني” للأديبة كاميليا نعيم)

،،،،،

 

شيءٌ يُيشبهني: حرف الشين يتكرر في عنوان من كلمتَين! والشين حرير ناعم تحت اللسان وهمسٌ  حنون في الأذن. أما في كتاب الأديبة الصديقة كاميليا نعيم، فهو إشارةٌ إلى مفاتيح أربعة تدعونا الى الولوج الى بعضٍ من أعماق الكتاب وهي الشوق والشمس والشرق والشعر…وكلها تبتدئ بحرف الشين، ولا أستغرب.

،،،،،

 

يشغل الشوقُ مساحةً كبيرة في الكتاب وفي رؤيا الكاتبة المشتاقة دون كلل. تقول: “أعتني فقط بضفائر شوقي” وكأن الشوق المُسدل على الذاكرة يغطي أيضاً الجبين والعينين والوجه المُتعَب. والشوق ايضاً لهيب يعتصر قلبها وهي تنادي بيروت: “أرسل لك حباًعلى امتداد لهيب الشوق”. هل هذا الشوق الدائم علامة خيبة من الواقع والناس والزمان، فنراها تلجأ الى الشوق الممتدّ على مدى الأيام الآتية؟ لا شك أن في الشوق حنيناً الى ما كان، ,وأملاً  في ما سيكون، لكنها سرعان ما تتعب من الشوق فتصرخ: “ابتعد عني أيها الشوق”! وهنا مكمن التوتر والإبداع في ثنايا الحيرة والتمزق الداخلي والتناقض الخلاّق. وخير ما يلخص هذه الإشكالية بوحُها الى أخيها المرحوم كمال:” لم تعد لي قدرةٌ على تطريز الشوق بوخز إبر الرحيل”.

من جهة ثانية، ترى في الشوق شمساً تشرق في أرجاء قلبها. فما هو موقع الشمس في كتابها؟

،،،،،

“هي شمسٌ تسكنها” اي تطلع من داخلها، وليس من الأفق البعيد. وهي شمس خجولة مثلها على شفير الغياب، فتكتب:” أعطِني لون ذاك الخبزِ المصبوغ بحياء الشمس حين تلملم ثوب الرحيل”. ونتساءل: لماذا شمس الغياب بدلاً من شمس الصباح؟ وهل بدأ العمر يحفر خط الإنحدار في القلب والحواس؟ لعلني أميل الى الإعتقاد أنها ما زالت متشبثةً بالحياة، والكتابة في الأصل فعل تفاؤل. لذلك نلاحظ تفاعلها الإيجابي مع بسمة رضى، فتكتب:” تشرق على وجهي بسمةُ الرضى مثل شمس الشتاء”. وسرعان ما يتسلل الملل الى الروح التائقة دوماً الى جديدٍ ما، فتعلن:” لن أقبل أن تشرق الشمس اليوم مثل البارحة”! متى تحطّين الرحال يا كاميليا؟ وقد تجيب: حين أعود الى الشرق.

الى الشرق؟

،،،،،،

 

“قرويةٌ أنا”، تقول كاميليا، وتشير باصبعها نحو الشرق، كما سفينة جبران المبحرة من مدينة أورفليس. ليس في الشرق بيتها واهلها وذكرياتها فحسب، بل هناك مرتع قيمٍ آمنت بها، وسلوكيات اعتنقتها، ومعنى مختلفٌ للحياة. تكتب بفعل الأمر:” توجّهوا شرقاً”، وكأنها تريدنا أن نذهب معها كلنا الى هناك. وأراها تفتقد عفوية الشرق بالمقارنة مع عقلانية الغرب فتكتب:” أعيدوني الى الحارات العتيقة المتشحة برداء العفوية!” ويلفتني استعمالها كلمة ” الحارة “مكان البيت، وفي ذلك دلالةٌ على ثقافة الشرق الجماعية في موازاة الشخصانية الغربية. ومن منا لا يشعر بالعزلة في مدينة سيدني الكبيرة ويشتاق الى الحارة والساحة والدكان في الوطن المستحيل؟

،،،،،،،

 

بين الشوق والشمس والشرق، يتوهج الشعر الوجداني الصافي، متفلتاً من قيود الوزن والقافية  والأعمدة الشاهقة. هي تشهق وتبوح وتلمح، وقد ترى في “صبابة شوقٍ بلاغةَ قَول”. ترنّ الموسيقى بين سطورها، وتكثر الصُورمثل “غيمة من سلام تهطل سكينةًعلى أرض الحذر”…ويتألق حسها الشعري في مناجاة أمها في مقاطع كثيرة، ومنها قولها:” كبرتُ يا امي، وصغرت المسافة التي تفصلنا”. يا الله! هذا الحنين الدائم إلى حضن الأم هو نسغُ الشعر ونبضه الأحلى.

،،،،،،

 

في الختام، “شيءٌ يشبهني” هو شيء يشبهنا، وشخصٌ يشبهنا، وشمعةٌ كسرت ليل الغربة الطويل.  تلك كانت”شيناتٍ” حاولتُ من خلالها اضاءةً سريعة على كتاب يزخر بالأحاسيس المرهفة والتجربة الغنية والكلمات الدافئة.

و”الشين ” الأخيرة: شُكراً لكم!

،،،،،،،

شارك مع أصدقائك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *